![]() |
خطوات أساسية لبناء علاقات ناجحة |
في عصر تتسارع فيه وتيرة العمل وتتصاعد فيه الضغوط المهنية، نسمع كثيرًا المقولة الشهيرة: "لا أحد يندم على عدم قضائه وقتًا أطول في العمل قبل وفاته". لكن، هل فكرت يومًا أن الانغماس الزائد في العمل قد يكون سببًا رئيسيًا في تدهور الصحة النفسية أو حتى الوفاة؟
لقد أصبحت العزلة الاجتماعية خطرًا حقيقيًا يهدد توازن حياتنا. ومع التغيرات الحديثة في بيئات العمل، مثل كثرة التنقل بين الوظائف والاعتماد المتزايد على العمل عن بُعد، ارتفعت معدلات الشعور بالوحدة بشكل مقلق. في الولايات المتحدة مثلًا، تضاعفت نسبة البالغين الذين يعانون من الوحدة مقارنةً بما كانت عليه في الثمانينيات. هذه الوحدة لا تؤثر فقط على الصحة النفسية والجسدية، بل قد تعرقل المسيرة المهنية أيضًا.
ما الذي يمكن فعله إذن للتصدي لهذه العزلة وبناء علاقات قوية ومستقرة؟
الإجابة يقدمها لنا مايكل كوبيلا، المدير الإداري لشركة "CBRE" في مدينة كولومبوس. ورغم أنه لم يكن يملك وظيفة عند انتقاله إلى المدينة سنة 2005، فقد استطاع، بفضل مهاراته في بناء العلاقات، أن يصل إلى منصب قيادي يشرف فيه على أكثر من 275 موظفًا.
كوبيلا يؤكد أن نجاحه لم يكن بسبب العمل الجاد فقط، بل نتيجة وعيه العميق بأهمية العلاقات الشخصية القوية. في حديثه عن التوفيق بين الحياة العائلية والطموحات المهنية، صرّح قائلاً: "كل نجاح يعتمد على قدرتنا على بناء علاقات متينة". ومن تجربته، قدّم مجموعة من النصائح العملية المبنية على أسلوب "افعل ولا تفعل"، لمن يسعى لتقوية علاقاته وتحقيق توازن صحي في حياته.
إن الرسالة هنا واضحة: النجاح لا يُقاس بعدد ساعات العمل، بل بجودة العلاقات التي نبنيها في الطريق إليه.
كن جزءًا من مجتمعك لتبني علاقات تدوم
يرى مايكل كوبيلا أن أفضل العلاقات تُبنى من خلال التجارب المشتركة والمشاركة الفعلية في المجتمع. فإلى جانب عضويته في "منظمة رؤساء الشركات الشباب"، يشارك كوبيلا بفاعلية في أنشطة مجتمعية مثل "وجبات على عجلات"، و"مسكن للإنسانية"، وغرفة التجارة في كولومبوس.
يؤمن كوبيلا بأن التطوع في مشاريع هادفة لا يساعد فقط الآخرين، بل يتيح لك فرصة الالتقاء بأشخاص يتحلون بالشغف والطاقة الإيجابية. هؤلاء هم الأشخاص الذين يُنصح بأن تحيط نفسك بهم لبناء علاقات متينة وطويلة الأمد.
وينصح بأن تحاول التفاعل معهم على مستوى شغفهم والتزامهم المهني، لأن هذا يعزز من قوة العلاقة. بالنسبة له، هذه الروابط ليست مؤقتة، بل قد تمتد مدى الحياة، وتكون ركيزة قوية للنجاح الشخصي والمهني.
شارك الآخرين فرحتهم... تنمو علاقاتك وتزدهر
يؤكد مايكل كوبيلا أن أحد أسرار بناء العلاقات القوية هو الاحتفال بنجاحات الآخرين. فالجميع يعيش في زحمة العمل والمهام اليومية، ولهذا يصبح لافتًا ومؤثرًا حين يُظهر أحدهم اهتمامًا حقيقيًا بما حققته.
يشير كوبيلا إلى أن الناس يعملون بجد، والاعتراف بجهودهم يُشعرهم بالتقدير. يمكن أن يكون ذلك ببساطة من خلال رسالة تهنئة، أو مشاركة مقالة تخصهم، أو حتى تعليق إيجابي صادق. هذه المبادرات الصغيرة تترك أثرًا كبيرًا.
وعندما تكون فرحتك حقيقية بنجاح من حولك، فإنك لا تمنحهم فقط لحظة تقدير، بل تقوّي أيضًا علاقتك بهم على مستوى عاطفي وإنساني أعمق.
كوبيلا يلخّص ذلك بفكرة بسيطة وفعالة: النجاح أجمل حين يُحتفل به مع من يهتم لأمرك بصدق.
الاستمرارية مفتاح العلاقات العميقة
يُقال إن 80% من النجاح في الحياة هو مجرد التواجد، لكن مايكل كوبيلا يضيف أن الاستمرارية في التواجد هي ما يصنع الفرق الحقيقي في بناء صداقات قوية. لا يكفي أن تظهر في كل مكان بشكل عابر، بل الأهم أن تكون حاضرًا بشكل منتظم في الأماكن والمجتمعات التي تهمك فعلاً.
كوبيلا ينصح بعدم القفز من فعالية إلى أخرى بحثًا عن علاقات سطحية، بل أن تستثمر وقتك وجهدك في منظمة أو مجتمع معين، وتشارك باستمرار في فعالياته. هذا النوع من الحضور المتواصل يُظهر التزامك وصدق نواياك، مما يعزز ثقة الآخرين بك ويخلق روابط إنسانية أعمق.
في النهاية، العلاقات القوية لا تُبنى في يوم، بل تحتاج إلى حضور مستمر، واهتمام حقيقي، ومواقف متكررة تُثبت أنك موجود من أجل الناس لا من أجل الفرص فقط.
تحدث بعمق... واصنع روابط لا تُنسى
يرى مايكل كوبيلا أن الحياة أقصر من أن نقضيها في أحاديث سطحية. فالعلاقات القوية لا تُبنى على الكلام العابر، بل على النقاشات العميقة والمفيدة. لا أحد يتذكر حديثًا عن الطقس، لكن الجميع يتأثر بكلمة صادقة عن الأسرة أو الحياة أو التحديات التي نواجهها.
كوبيلا يحرص دائمًا على تخصيص وقته للحديث عن الأمور العائلية، الشخصية، وحتى المهنية، لأنه يؤمن بأن هذه المواضيع هي ما يخلق روابط حقيقية بين الناس.
كما يشدد على أهمية تقديم المساعدة للآخرين متى احتاجوها، ومشاركة المعلومات المفيدة دون انتظار مقابل. فالعلاقات المتوازنة، المبنية على الأخذ والعطاء، هي التي تدوم وتزدهر مع مرور الوقت.
ويقول كوبيلا: "تلقيت الكثير من الدعم خلال مسيرتي، ولذلك أخصص جزءًا من كل يوم لمساعدة من حولي".
فكل علاقة قوية تبدأ بنية صادقة وعمق إنساني.
وازن بين الماضي والمستقبل لبناء علاقات متجذرة
يرى مايكل كوبيلا أن النجاح الحقيقي في العلاقات لا يكمن فقط في التواصل مع من سبقوك أو من هم في القمة الآن، بل أيضًا في دعم من يسيرون على طريق النجاح بعدك. من الطبيعي أن تبحث عن الإلهام فيمن وصلوا إلى المكان الذي تطمح إليه، لكن الأهم أن تكون أنت أيضًا مصدر إلهام للجيل القادم.
كوبيلا يحذّر من تجاهل هذه النقطة، قائلاً: "رأيت مرارًا محترفين كبارًا، استيقظوا ذات يوم ليكتشفوا أن جميع معارفهم قد تقاعدوا واختفوا من المشهد".
الاستثمار في علاقات متعددة الأجيال يمنحك شبكة متكاملة، تحيطك بالدعم والتواصل في مختلف مراحل حياتك المهنية. فعندما تكون على صلة بكبار الخبرات والشباب الطموح معًا، تصبح أكثر وعيًا، وأكثر تأثيرًا، وأكثر حضورًا.
العلاقات المتنوعة تحفظ لك مكانك اليوم، وتُبقيك حاضرًا غدًا.
العلاقات القوية تحتاج إلى صبر ونضج
في زمن السرعة، من السهل أن نتوقع أن تنمو العلاقات المهنية بسرعة أو أن نجد من يوجّهنا فورًا، لكن مايكل كوبيلا ينبه إلى أن أفضل العلاقات، خاصة في مجال الإرشاد، تنشأ بشكل طبيعي وليس بطلب مباشر أو استعجال.
كوبيلا يوضح أن العديد من الأشخاص يحبون المساعدة وتقديم النصح، لكن العلاقة الإرشادية الحقيقية لا تُفرض، بل تتطور تدريجيًا عندما تتوفر الثقة والتواصل الصادق.
لذلك، إذا كنت تبحث عن مرشد أو شريك مهني يدعمك، لا تتعجل. ركّز أولًا على بناء العلاقة، وأظهر اهتمامك الصادق بالناس، وكن موجودًا باستمرار. ومع مرور الوقت، قد تجد أن أحدهم بدأ يقدم لك النصح والمساعدة تلقائيًا.
العلاقات العميقة لا تُبنى في لحظة، بل تحتاج إلى وقت، وصبر، وتواصل حقيقي.
كن صادقًا... فالعلاقات الحقيقية لا تحتاج إلى تزييف
يشدد مايكل كوبيلا على أهمية الصدق والبساطة في بناء العلاقات، محذرًا من التظاهر أو الادعاء بأن العلاقة أقوى مما هي عليه في الواقع. فهناك فرق واضح بين المعارف والأصدقاء الحقيقيين، والتظاهر بتجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر بكلا الطرفين.
كوبيلا ينصح أيضًا بعدم المبالغة في تنميق الكلمات، خاصة في رسائل التهنئة أو رسائل البريد الإلكتروني. لا حاجة للعبارات المزخرفة أو الأسلوب الرسمي الزائد. ما يهم فعلًا هو النية الصادقة خلف الرسالة.
فالكلمات التي تنبع من القلب تصل بصدق، وتترك أثرًا أقوى من أي صياغة متقنة. لا تحاول الظهور بمظهر مثالي، بل كن أنت كما أنت — عفويًا، بسيطًا، وأمينًا في تواصلك.
العلاقات المبنية على التواضع والصدق هي التي تدوم وتنمو بثقة.
للإنضمام الى قروب الواتساب يجمع كل العرب لتكوين الصداقات إضغط أسفل هنا
ملاحظة: تقوم بعض المجموعات بتغير صورة المجموعة بعد نشرها في الموقع من قبل مالك المجموعة، لذلك نحن غير مسؤولون عن الصورة الجديدة.